فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{والسماء والطارق}
{الطارقُ} في الأصلِ اسمُ فاعلٍ منْ طرقَ طَرْقاً وطروقاً إذَا جاءَ ليلاً قال المَاوِرْدِيُّ: وأصلُ الطرقِ الدقُّ ومنه سميتِ المطرقةُ وإنما سميَ قاصدُ الليلِ طارقاً لاحتياجِه إلى طرقِ البابِ غالباً. ثم اتُّسعَ في كلِّ ما ظهرَ بالليلِ كائنا ما كانَ ثم أشبعَ في التوسعِ حتى أطلقَ على الصورِ الخياليةِ الباديةِ بالليلِ قال:
طرقَ الخيالُ ولا كليلةِ مدلج ** سدكاً بأرجلنَا ولم يتبرجِ

والمرادُ هاهنا الكوكبُ البادِي بالليلِ أما على أنَّه اسمُ جنسٍ أو كوكبٌ معهودٌ وقيلَ: الطارقُ النجمُ الذي يقال له كوكبُ الصبحِ وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطارق} تنويهٌ بشأنِه إثرَ تفخيمِه بالإقسامِ به وتنبيهٌ على أنَّ رفعةَ قدره بحيثُ لا ينالُها إدراكُ الخلق فلابد من تلقِّيها من الخلاَّقِ العليمِ فـ: {ما} الأولى مبتدأٌ و{أدراكَ} خبرٌ، والثانية خبرٌ و{الطارقُ} مبتدأٌ حسبما بينَ في نظائرِه أيْ وأيُّ شيءٍ أعلمكَ ما الطارقُ وقوله تعالى: {النجم الثاقب} خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ والجملة استئنافٌ وقعَ جواباً عن استفهامٍ نشأَ مما قبلَه كأنَّه قيلَ: ما هو فقيلَ النجمُ المضيءُ في الغايةِ كأنه يثقبُ الظلامُ أو الأفلاكُ بضوئِه وينفذُ فيَها والمرادُ بهِ إما الجنسُ فإنَّ لكلِّ كوكبٍ ضوءاً ثاقباً لا محالةَ وإما كوكبٌ معهودٌ قيلَ هو زُحَلُ وقيلَ: هو الثُّريَّا وقيلَ: هو الجَديُ وقيل: النجمُ الثاقبُ نجمٌ في السماء السابعةِ لا يسكُنها غيرُه فإذا أخذتِ النجومُ أمكنتَها من السماء هبط فكانَ معها ثم يرجعُ إلى مكانِه من السماء السابعةِ وهو زُحل فهو طارقٌ حينَ ينزلُ وحينَ يصعدُ وفي إيرادِه عندَ الإقسامِ به بوصفٍ مشتركٍ بينه وبين غيرِه ثم الإشارةِ إلى أنَّ ذلكَ الوصفَ غيرُ كاشفٍ عن كنِه أمرِه وأن ذلكَ مما لاتبلغُه أفكارُ الخلائقِ ثم تفسيرِه بالنجمِ الثاقبِ من تفخيمِ شأنِه وإجلالِ محلِّه بما لا يخفى.
وقوله تعالى: {إن كل نفس لما عليها حافظ} جوابٌ للقسمِ وما بينهما اعتراضٌ جيءَ بهِ لما ذكرَ من تأكيدِ فخامةِ المقسمِ بهِ المستتبعِ لتأكيدِ مضمونِ الجملة المقسمِ عليها، و{إنْ} نافيةٌ، و{لما} بمَعْنى إلاَّ ما كلُّ نفسٍ إلا {عليها حافظ} مهيمنٌ رقيبٌ وهو الله عزَّ وجلَّ كما في قوله تعالى: {وَكَانَ الله على كُلّ شيء رَّقِيباً} وقيلَ: هو من يحفظُ عملَها ويُحصي عليها ما تكسبُ من خيرٍ وشرَ كما في قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين كِراماً} الآيةَ وقوله تعالى: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} وقوله تعالى: {لَهُ معقبات مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ} وقرئ {لما} مخففةٌ على أنَّ {إنْ} مخففةٌ من الثقيلةِ واسمُها الذي هُو ضمير الشأنِ محذوفٌ واللامُ هي الفارقةُ وما مزيدةٌ أي أنَّ الشأنَ كلُّ نفسٍ لعليها حافظ والفاءُ في قوله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإنسان مم خُلِقَ} للتنبيهِ على أنَّ مَا بُينَ مِنْ أن كلَّ نفسٍ عليها حافظ يُحصي عليها كلَّ ما يصدرُ عنها من قول وفعلٍ مستوجبٌ على الإنسانِ أنْ يتفكرَ في مبدأِ فطرتِه حقَّ التفكير حتى يتضح له أن من قدر على إنشائه من موادّ لم تشمّ رائحة الحياة قط فهو قادرٌ على إعادتِه بل أقدر على قياسِ العقلِ فيعملَ ليوم الإعادةِ والجزاءِ ما ينفعُه يومئذٍ ويجديهِ ولا يملى على حافظه ما يرديهِ.
وقوله تعالى: {خلق مِن مَّاء دَافِقٍ} استئنافٌ وقعَ جواباً عن استفهامٍ مقدر كأنه قيلَ {مم خلق} فقيلَ: خلق من ماءٍ ذي دفقٍ وهو صبٌّ فيه دفعٌ وسيلانٌ بسرعةٍ والمرادُ بهِ الممتزجُ من الماءينِ في الرحمِ كما ينبئ عنه قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترائب} أي صلبِ الرجلِ وترائبِ المرأةِ وهي عظامُ صدرِها قالوا إن النطفةَ تتولدُ من فضلِ الهضمِ الرابعِ وتنفصلُ عن جميعِ الأعضاءِ حتى تستعدَّ لأنْ يتولدَ منها مثلُ تلك الأعضاءِ ومقرُّها عروقٌ ملتفٌ بعضُها بالبعضِ عند البيضتينِ فالدماغُ أعظمُ الأعضاءِ معونةً في توليدِها ولذلك تشبهُه ويورثُ الإفراطُ في الجماعِ الضعفَ فيهِ وله خليفه هو النخاعُ وهو في {الصلب} وشعبٌ كثيرةٌ نازلة إلى {الترائب} وهما أقربُ إلى أوعيةِ المنيِّ فلذلك خُصَّا بالذكرِ وقرئ {الصلب} بفتحتينِ و{الصلب} بضمتينِ وفيه لغةٌ رابعةٌ هي صالبُ.
{إنه} الضمير للخالقِ تعالى فإنَّ قوله: {خلق} يدلُّ عليهِ أيْ أنَّ ذلكَ الذي خلقَهُ إبتداءً مما ذكرَ {على رَجْعِهِ} أي على إعادتِه بعد موتِه {لَقَادِرٌ} لبينُ القدرة {يوم تبلى السرائر} أي يُتعرفُ ويُتصفحُ ما أُسرَّ في القلوبِ من العقائدِ والنياتِ وغيرها وما أُخفي من الأعمالِ ويُميزُ بين ما طابَ منها وما خبُثَ وهو ظرفٌ لـ: {رجعِه}.
{فَمَا لَهُ} أي للإنسانِ {مِن قُوَّةٍ} في نفسِه يمتنعُ بها {وَلاَ نَاصِرٍ} ينتصرُ به {والسماء ذَاتِ الرجع} أي المطرِ سميَ رَجْعاً لما أن العربَ كانوا يزعمونَ أن السحابَ يحملُ الماءَ من بحارِ الأرضِ ثم يرجعه إلى الأرضِ أو أرادُوا بذلكَ التفاؤلَ ليرجعَ ولذلك سمَّوه أوباً أو لأنَّ الله تعالى يرجعه حيناً فحيناً.
{والأرض ذَاتِ الصدع} هو ما تتصدعُ عنه الأرضُ من النباتِ أو مصدرٌ من المبنيِّ للمفعولِ وهو تشققُها بالنباتِ لا بالعيونِ كما قيلَ، فإن وصفَ السماء والأرضِ عند الإقسامِ بهما على حقية القرآن الناطقِ بالبعثِ بما ذكرَ من الوصفينِ للإيماءِ إلى أنَّهما في أنفسِهما من شواهدِه وهو السرُّ في التعبيرِ بالصدعِ عنه وعن المطرِ بالرجعِ وذلك في تشققِ الأرضِ بالنباتِ المحاكِي للنشورِ حسبما ذكرَ في مواقعِ من التنزيلِ لا في تشققِها بالعيونِ {إنه} أي القرآن الذي من جُملته ما تُلي من الآياتِ الناطقةِ بمبدأِ الإنسانِ ومعادِه {لَقول فَصْلٌ} أي فاصلٌ بين الحقِّ والباطلِ مبالغٌ في ذلك كأنه نفسُ الفصلِ {وَمَا هوَ بالهزل} ليس في شيءٍ منه شائبةُ هزلٍ بل كله جدٌّ محضٌ لا هوادةَ فيه فمن حقِّه أن يهتديَ به الغواةُ وتخضعَ له رقابُ العتاةِ {أَنَّهُمْ} أي أهلَ مكةَ {يكيدون} في إبطالِ أمرِه وإطفاءِ نورِه {كَيْداً} حسبما نفى به قدرتُهم {وَأَكِيدُ كَيْداً} أي أقابلهُم بكيدٍ متينٍ لا يمكنُ ردُّه حيثُ أستدرجُهم من حيثُ لا يعلمونَ {فَمَهّلِ الكافرين} أي لا تشتغلْ بالانتقامِ منهم ولا تدعُ عليهم بالهلاكِ أو لا تستعجلْ بهِ والفاءُ لترتيبِ ما بعدها على ما قبلها فإنَّ الإخبارَ بتوليهِ تعالى لكيدهم بالذاتِ مما يوجبُ إمهالَهم وتركَ التصدِّي لمكايدتِهم قطعاً وقوله تعالى: {أَمْهِلْهُمْ} بدل من {مَهِّل} وقوله تعالى: {رُوَيْداً} إما مصدرٌ مؤيدٌ لمعنى العاملِ أو نعتٌ لمصدرِه المحذوفِ أي مهلهم إمهالاً رُويداً أي قريباً كما قاله ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنْهُما أو قليلاً كما قاله قَتادةُ قال أبو عبيدةَ هُو في الأصلِ تصغيرُ رُود بالضمِّ وأنشدَ:
كأنَّها ثَمِلٌ تَمشي على رُودِ

أي على مهلٍ وقيل: تصغيرُ ارْوَادٍ مصدرٌ أَرْوَدَ بالترخيمِ وله في الاستعمالِ وجهانِ آخرانِ كونُه اسمَ فعلٍ نحوُ رويدَ زيداً وكونُه حالاً نحو سارَ القومُ رويداً أَي متمهلينَ وفي إيرادِ البدلِ بصيغةٍ لا تحتملُ التكثيرَ وتقييدُه بـ: {رويداً} على أحد الوجهينِ المذكورينِ من تسليةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتسكينِ قلبِه ما لا يخفى. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {والسماء والطارق}
قال سعيد بن جبير: سألت ابن عباس رضي الله عنهم عن قوله: {والسماء والطارق} فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطارق النجم الثاقب} وسكت فقلت له: مالك؟ فقال: والله ما أعلم منها، إلا ما أعلم ربي.
يعني: تفسير الآية ما ذكر في هذه الآية، وهو قوله: {والنجم الثاقب}.
يعني: هو الطارق.
وروي عن ابن عباس، رضي الله عنهما في رواية أخرى.
{والسماء والطارق} قال الطارق الكواكب التي تطرق في الليل، وتخفى في النهار، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطارق} على وجه التعجب والتعظيم.
ثم بيّن فقال: {النجم الثاقب} يعني: هو النجم المضيء.
وقال مجاهد: {الثاقب} الذي يتوهج.
وقال الحسن البصري {الثاقب} هو النجم، حين يرسل على الشياطين، فيثقبه، يعني: فيحرقه.
وقال قتادة: {النجم الثاقب} يعني: يطرق بالليل، ويخنس بالنهار فأقسم الله تعالى بالسماء ونجومها.
ويقال: بخالق السماء ونجومها {إن كل نفس لما عليها حافظ} وهذا جواب القسم، يعني: ما من نفس إلا عليها حافظ من الملائكة، يحفظ قولها وفعلها.
قرأ عاصم وحمزة، وابن عامر، {إِن كُلُّ نَفْسٍ لما عَلَيْهَا} بتشديد الميم، والباقون {لما عَلَيْهَا} بالتخفيف، فمن قرأ بالتشديد، فمعناه ما من نفس إلا وعليها حافظ، فيكون لما بمعنى إلا، ومن قرأ بالتخفيف جعل ما مؤكدة، ومعناه كل نفس عليها حافظ.
ثم قال: {فَلْيَنظُرِ الإنسان مم خُلِقَ} يعني: فليعتبر الإنسان من ماذا خلق.
قال بعضهم: نزلت في شأن أبي طالب، ويقال نزلت في جميع من أنكر البعث.
ثم بين أول خلقهم ليعتبروا فقال: {خلق مِن مَّاء دَافِقٍ} يعني: من ماء مهراق في رحم الأم، ويقال: دافق بمعنى مدفوق.
كقوله: {فَهُوَ في عِيشَةٍ راضية} [القارعة: 7] أي: مرضية ثم قال: {يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترائب} يعني: خلق من مائين، من ماء الأب يخرج من بين الصلب، ومن ماء الأم يخرج من الترائب.
و{الترائب}: موضع القردة كما قال امرؤ القيس:
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ** ترائبها مصقولة كالسجنجل

ثم قال: {إِنَّهُ على رجعه لَقَادِرٌ} يعني: على بعثه وإعادته بعد الموت لقادر، ويقال على رجعه إلى صلب الآباء، وترائب الأمهات لقادر، والتفسير الأول أصح لأنه قال: {يوم تبلى السرائر} يعني: تظهر الضماير.
ويقال: يختبر السرائر {فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ} يعني: ليس له قوة يدفع العذاب عن نفسه، ولا مانع يمنع العذاب عنه.
وقوله: {والسماء ذَاتِ الرجع} فهو قسم، أقسم الله تعالى بخالق السماء ذات الرجع، يعني: يرجع السحاب بالمطر، بعد المطر والسحابة بعد السحابة {والأرض ذَاتِ الصدع} يعني: يتصدع فيخرج ما بالنبات والثمار، فيجعلها قوتاً لبني آدم عليه السلام ويقال: {ذات الصدع} يعني: ذات الأودية، وهو قول مجاهد وقال قتادة: يعني: ذات النبات {إِنَّهُ لَقول فَصْلٌ} يعني: القرآن قول حق وجد {وَمَا هوَ بالهزل} يعني: باللعب ويقال لم ينزل بالباطل قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يكيدون كَيْداً} يعني: يمكرون مكراً وهم أهل مكة في دار الندوة ويقال: {يكيدون كيداً} يعني يصنعون أمراً وهو الشرك والمعصية {وَأَكِيدُ كَيْداً} يعني: أصنع لهم أمراً، وهو القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة قوله تعالى: {فَمَهّلِ الكافرين} يعني: أجل الكافرين ويقال: خل عنهم {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} يعني: أجلهم قليلاً أي إلى وقت الموت ويقال: {إنهم يكيدون كيداً} بمعنى: الخراصون الذين يحبسون في كل طريق يعني: يصدون الناس عن دينه يعني يحبسون الناس في كل طريق يصدون الناس عن دينه.
وروى عبد الرزاق عن أبي وائل عن همام مولى عثمان قال لما كتبوا المصحف شكوا في ثلاث آيات فكتبوها في كتف شاة وأرسلوها إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت فدخلت عليهما فناولتهما أبياً فقرأها فكان فيها {لا تبديل لخلق الله} وكان فيها لم يتسن فكتب {لم يتسنه} وكان فيها فأمهل الكافرين فمحى الألف وكتب {فمهل الكافرين} ونظر فيها زيد بن ثابت فانطلقت بها إليهم فناولتها زيد بن ثابت إليهم فأثبتوها في المصحف {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} يعني: أجلهم قليلاً فإن أجل الدنيا كلها قليل. اهـ.

.قال الثعلبي:

سورة الطارق:
{والسماء والطارق}.
نزلت في أبي طالب وذلك «لأنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتحفه بخبز ولبن فبينما هو جالس يأكل إذا بخط نجم فامتلأ ماءً ثمّ ناراً ففزع أبو طالب وقال: أي شيء هذا، فقال رسول الله عليه السلام: هذا نجم رمي به وهو آية من آيات الله تعالى. فعجب أبو طالب، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {والسماء والطارق}»، والمعنى: يعني النجم يظهر ليلا ويخفى نهاراً، أو كل ماجاء ليلا فقد طرق.
ومنه حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله وقال: «تستعد المغيبة وتمتشط الشعثة»، وقالت هند بنت عتبة يوم أحد:
نحن بنات طارق ** نمشي على النمارق

تريد أن أبانا نجم في شرفه وعلوه.
وأنشدنا أبو القاسم المفسّر قال: أنشدني أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن الرومي قال:
يا راقد الليل مسروراً بأوّله ** إنّ الحوادث قد يطرقن أسحاراً

لا تفرحن بليل طاب أوّله ** فرب آخر ليل أجج النارا

{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق} ثم فسره فقال عزّ من قائل: {النجم الثاقب} أي المضيء المنير، يقول العرب: أثقب نارك أي أضئها. مجاهد: المتوهج، عطا: الثاقب الذي يرمي به الشياطين فيثقبهم: قال ابن زيد: كانت العرب تسمّي الثريا النجم، وقيل: هو زحل سُمي بذلك لإرتفاعه، وتقول العرب للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعاً: قد ثقب.
وروى أبو الحوراء عن ابن عباس قال: الطارق: نجم في السماء السابعة لا يسكنها غيره من النجوم، فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط فكان معها ثم رجع إلى مكانه من السماء السابعة، وهو زحل فهو طارق حين ينزل وطارق حين يصعد.
{إِن كُلُّ نَفْسٍ} جواب القسم {لما عليها حافظ} قرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر وعاصم وحمزة {لَّمَّا} بتشديد الميم، يعنون ما كل نفس إلاّ عليها حافظ، وهي لغة هذيل يقولون: يسديك الله لما قمت، يعنون: إلاّ قمت.
وقرأ الآخرون: بالتخفيف جعلوا (ما) صلة مجازه: إنّ كل نفس لعليها حافظ.
أخبرنا محمد بن نعيم قال: أخبرنا الحسن بن أيوب قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز قال: حدّثنا أبو عبيد قال: حدّثنا معاذ عن ابن عون قال: قرأت عند ابن سيرين: {إنّ كلَّ نفس لما} فأنكره وقال: سبحان الله سبحان الله فتأويل الآية كلُّ نفس عليها حافظ من ربِّها يحفظ عملها ويُحصي عليها ما يكتسب من خير وشر.
قال ابن عباس: هم الحفظة من الملائكة، وقال قتادة: هم حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا ابن آدم قبضت إلى ربّك، وقال الكلبي وحصين: حافظ من الله يحفظ قولها وفعلها ويحفظ حتى يدفعها ويسلمها إلى المقادير ثم تخلى عنها.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عمر بن الحطاب قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل قال: حدّثنا سلمة بن شبيب قال: حدّثنا يحيى بن صالح قال: حدّثنا عمر بن معدان عن سلم بن عامر عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكّل بالمؤمن ستون ومائة ملك يذبّون عنه مالم يقدر عليه من ذلك للبصر سبعة أملاك يذبّون عنه كما يذّب عن قصعة العسل الذباب في اليوم الصائف ومالو بدا لكم لرأيتمونه على جبل وسهل كلهم باسط يديه فاغرفاه وما لو وكّل العبد إلى نفسه طرقه عين لاختطفته الشياطين».
{فَلْيَنظُرِ الإنسان مم خُلِقَ} أي من أي شيء خلقه ربُّه، ثم بيّن جل ثناؤه فقال سبحانه وتعالى: {خلق مِن مَّاءٍ دَافِقٍ} أي مدفوق مصبوب في الرحم وهو المني، فاعل بمعنى مفعول كقولهم سرُّ كاتم، وليلٌ نائم، وهمّ ناصب، وعيشةٌ راضية، قال الفراء: أعان على ذلك أنها رؤوس الآيات التي معّهن.
والدفق: الصب، تقول العرب للموج إذا علا وانحط: تدفق واندفق وأراد من مائين: ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن الولد مخلوق منهما، ولكنه جعله ماء واحدا لامتزاجهما.
{يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب} يعني صلب الرجل وترائب المرأة، واختلفوا في الترائب، فقال ابن عباس: موضع القلادة، الوالي عنه: بين ثدي المرأة، وعن العوفي عنه: يعني بـ: {الترائب} اليدين والرجلين والعينين، وبه الضحاك، وعن ابن عليّة عن أبي رجاء قال: سئل عكرمة عن {الترائب} فقال: هذه ووضع يده على صدره بين ثدييه. سعيد بن جبير: الجيد. ابن زيد: الصدر. مجاهد: ما بين المنكبين والصدر. سفيان: فوق الثديين. يمان: أسفل من التراقي. قتادة: النحر. جعفر بن سعيد: الأضلاع التي أسفل الصلب. ليث عن معمر بن أبي حبيبة المدني قال: عصارة القلب، ومنه يكون الولد، والمشهور من كلام العرب أنهما عظام النحر والصدر، وواحدتها تربية.
قال الشاعر:
وبدت كان ترائبا نحرها ** جمر الغضا في ساعة يتوقّد

وقال آخر:
والزعفران على ترائبها ** شرق به اللَّبات والصدر

وقال المثقب العبدي:
ومن ذهب يسن على تريب ** كلون العاج ليس بذي غضون

{إِنَّهُ على رجعه لَقَادِرٌ} قال قتادة: إنّ الله سبحانه على بعث الإنسان واعادته بعد الموت قادر، وقال عكرمة: إن الله سبحانه على ردِّ الماء إلى الصلب الذي خرج منه لقادر، وعن مجاهد: على ردِّ النطفة في الإحليل، وعن الضحاك: إنه على ردِّ الإنسان ماء كما كان قبل لقادر، مقاتل بن حيان عنه: يقول: إنّ شئت ردرته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبى، ومن الصبى إلى النطفة، وعن ابن زيد: أنه على حبس ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج.
وأولى الأقاويل: بالصواب تأويل قتادة لقوله تعالى: {يوم تبلى السرآئر} أي تظهر الخفايا، وقال قتادة ومقاتل وسعيد بن جبير عن عطاء بن أبي رباح: السرائر: فرائض الأعمال كالصّوم والصلاة والوضوء وغسل الجنابة، ولو شاء العبد أن يقول قد صمت وليس بصائم وقد صلّيت ولم يصلّ وقد أغتسلت ولم يغتسل لفعل.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طلحة وابن البواب قال: حدّثنا أبو بكر بن مجاهد قال: حدّثنا إسماعيل عن عبد الله بن إسماعيل عن ابن زيد {يوم تبلى السرآئر} قال: السرائر: الصلاة والصيام وغسل الجنابة، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أخبرني عروبة قال: حدّثنا هاشم بن القاسم الحراني قال: حدّثنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ثلاث من حافظ عليها فهو وليّ الله حقًّا، ومن اختانهن فهو عدو الله حقًّا، الصلاة والصوم والغسل من الجنابة».
{فَمَا لَهُ}: يعني الإنسان الكافر {مِن قُوَّةٍ} تمنعه {وَلاَ نَاصِرٍ}: ينصره {والسماء ذَاتِ الرجع} أي ترجع بالغيث وأرزاق العباد كلّ عام، لولا ذلك لهلكوا وهلكت معايشهم، وقال ابن عباس: هو السحاب فيه المطر.
وأخبرنا ابن عبدوس قال: أخبرنا ابن محفوظ قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس {والسماء ذَاتِ الرجع} قال: ذات المطر. {والأرض ذَاتِ الصدع} قال: النبات.
وقال أبو عبيدة: {الرجع} الماء.
وأنشد المنحل الهذلي في صفة السيف:
أبيض كالرجع رسوب إذا ** ما ثاج في محتفل يختلي

وقال ابن زيد: يعني بالرجع ان شمسها وقمرها يغيب ويطلع {والأرض ذَاتِ الصدع}، أي ينصدع عن النبات والأشجار والثمار والأنهار، نظيره قوله سبحانه: {شَقَقْنَا الأرض شَقّاً فَأَنبَتْنَا فِيهَا حبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً} [عبس: 26-28] إلى آخرها، وقال مجاهد: هما السدّان بينهما طريق نافذ مثل ماري عرفة.
{إنه}: يعني القرآن {لَقول فَصْلٌ}: حق وجد وجزل يفصل بين الحق والباطل.
{وَمَا هوَ بالهزل}: باللعب والباطل.
{إِنَّهُمْ}: يعني مشركي مكّة.
{يكيدون كَيْداً} {وَأَكِيدُ كَيْداً}: وأريد بهم أمراً.
{فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}: قليلا فأخذوا يوم بدر. اهـ.